المؤتمر العربي رفيع المستوى حول “عمل الأطفال وسياسات الحماية الاجتماعية في الدول العربية”

كشفت الأزمات المتلاحقة التي اجتاحت العالم، وما مرت به المنطقة العربية من اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية، عن ضغوط متزايدة ومعوقات جسيمة تواجهها الدول العربية. هذه الأزمات، بجميع أبعادها، ألقت بظلالها الثقيلة على الإنسان العربي، وأدت إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية من قبيل تغير طبيعة المخاطر المجتمعية، اتساع دائرة الفقر، وارتفاع معدلات البطالة، وتزايد التفاوتات داخل البلدان وفيما بينها. هذا، فضلاً عن تداعيات التغيرات المناخية، وانعدام الأمن الغذائي، والصراعات المستمرة التي تركت آثاراً بالغة على الفئات الأكثر هشاشة، كالأطفال والنساء وكبار السن، وأدخلت ملايين الأفراد في دائرة الحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية، حيث يعانون من تهديدات الجوع، والمرض، والصدمات.

إن هذا الواقع المضطرب فرض ضرورة عاجلة لصياغة رؤية استراتيجية للتعامل مع تلك المستجدات، من خلال تطوير آليات عمل مبتكرة تتيح للدول العربية بناء سياسات حماية اجتماعية جديدة، تتلاءم مع التغيرات السريعة وتستجيب للأزمات المتلاحقة. هذه السياسات يجب أن تسعى إلى توسيع نطاق الحماية الاجتماعية لتشمل الفئات الأكثر ضعفاً، مع وضع استراتيجيات عملية لمواجهة الصدمات الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن السعي لتوفير آليات لتعزيز التكامل بين السياسات المختلفة، مما يعزز فاعليتها ويجعلها أداة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.

ويعد تطوير أنظمة الحماية الاجتماعية عامة وحماية حقوق الطفل خاصة، من القضايا الجوهرية التي تتبناها كل من قطاع الشؤون الاجتماعية بجامعة الدول العربية، ومنظمة العمل العربية، وبرنامج الخليج العربي للتنمية “أجفند”، والمجلس العربي للطفولة، التي تسعى من خلالها إلى تحسين ظروف العمل في الدول العربية، وتعزيز حقوق المواطنين بما يحقق التماسك الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي. فهي تشكل الأداة الأساسية لإعادة توزيع عوائد النمو والتنمية بشكل أكثر عدلاً، وتمكين الأفراد من مواجهة مخاطر فقدان الدخل والتعرض للأزمات. ومن ناحية أخرى، تمثل الحماية الاجتماعية ركيزة أساسية في تنمية رأس المال البشري، وتعزيز الإنتاجية، وترسيخ مبدأ الاندماج الاجتماعي، مما يسهم في تعزيز النمو الشامل والمستدام.

وإيماناً بضرورة توفير الرعاية للازمة للأطفال الذين أجبرتهم ظروفهم للعمل، وحمايتهم من الأضرار المترتبة على ظروفهم القاسية. وتماشياً مع التوجهات العربية والدولية الرامية إلى القضاء على عمل الأطفال، يأتي الطفل في مقدمة الفئات التي يجب أن تحظى بأقصى درجات الحماية الاجتماعية. ويتطلب هذا الأمر ربط سياسات الحماية الاجتماعية العامة بتوفير حماية خاصة للطفل، بما يضمن حقوقه وحمايته من أي انتهاك. وبحيث يكون هذا النهج مبنياً على حماية الطفل وتمكينه، وتوفير بيئة آمنة له تساهم في تحفيز نموه، وازدهاره، واستقراره وصون كرامته.

وانطلاقاً من أن الحماية الاجتماعية تمثل السبيل لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء مستقبل مستدام للأجيال القادمة، تعتزم كل من جامعة الدول العربية، ومنظمة العمل العربية، و برنامج الخليج العربي للتنمية “أجفند” ، المجلس العربي للطفولة، الي عقد مؤتمر عربي رفيع المستوي لمناقشة قضية عمل الأطفال، كواحدة من أبرز الانتهاكات التي تهدد حقوق الأطفال وتعيق نموهم السليم، وذلك بهدف مواجهة التحديات الرئيسية التي تواجهه الدول العربية في مجال القضاء علي عمل الأطفال وتعزيز الحماية الاجتماعية، وبلورة رؤية جديدة لسياسات وبرامج حماية اجتماعية متكاملة تأخذ في اعتبارها حقوق الطفل وفق النهج الحقوقي، وترتكز علي حماية الأطفال العاملين، خاصة أولئك الذين يواجهون أسوأ أشكال العمل، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، التي تسعى إلى القضاء على عمل الأطفال بحلول عام 2025، ومن المزمع أن يصدر إعلان يعكس التوافق العربي حول تعزيز ” سياسات الحماية الاجتماعية للحد من عمالة الأطفال “.

يأتي هذا المؤتمر وفقاً لما نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية منظمة العمل العربية بشأن عمل الأحداث، وكذلك أهداف التنمية المستدامة والمواثيق الدولية والإقليمية ذات الصلة. وإدراكاً لخطورة قضية عمل الأطفال وما تترتب عليها من آثار سلبية على صحة الأطفال وتعليمهم وحقوقهم الأساسية، وتواصلا للجهود المشتركة التي قام ويقوم بها الشركاء في مجال تنمية وحماية حقوق الأطفال العرب، بما في ذلك الأطفال المنخرطين في سوق العمل، ومتابعة لما انتهت إليه دراسة عمل الأطفال في الدول العربية، التي أطلقت في العام 2019 بعد اعتمادها كوثيقة استرشاديه لدعم جهود الدول الأعضاء للقضاء على هذه الظاهرة في القمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الرابعة في يناير من ذات العام في بيروت.