المطيري: “كل فرصةِ عملٍ لائق تُمنح في أوطاننا، هي بمثابة استثمار في الاستقرار، والسلم المجتمعي، والكرامة الإنسانية”
في صباح يوم الثلاثاء 1 يوليو، تموز 2025 عُقِدت الجلسة الرابعة تحت عنوان: ” التشغيل والعمالة الكاملة والمنتجة في المنطقة العربية” ضمن أعمال الاجتماع العربي – الإقليمي رفيع المستوى للتحضير لمؤتمر القمة العالمي الثاني للتنمية الاجتماعية، وقد أدارت الجلسة السيدة خلود الكبيسي، المديرة التنفيذية لصندوق دعم وتأمين العمال بدولة قطر،و شارك في الجلسة معالي الأستاذ فايز علي المطيري المدير العام لمنظمة العمل العربية، ومعالي الدكتورة إيناس العطاري، وزيرة العمل في دولة فلسطين عبر تقنية الاتصال المرئي، والسيدة أمل موافي، ممثلة المكتب الإقليمي للدول العربية بمنظمة العمل الدولية، وسعادة الدكتورة ريم فيالة، مديرة مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في تونس، والسيد فيتو انتيني، كبير الاقتصاديين في المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي – مركز عمان، والسيدة فلورنس باستي، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في تونس وليبيا.
وأشار “المطيري” في مداخلته أن هذا الاجتماع يمثل محطة مفصلية في الطريق نحو الدوحة، مؤكداً أن تحقيق العدالة الاجتماعية يبدأ من سوق العمل، وأن كل فرصة عمل لائقة تُمنح في الأوطان، هي بمثابة استثمار في الاستقرار والسلم المجتمعي والكرامة الإنسانية، موضحاً أن تحقيق التشغيل والعمالة الكاملة والمنتجة يرتبط بتحقيق الهدف الثامن من أجندة التنمية المستدامة 2030، مشدداً على أن أي إخفاق في تحقيق هذا الهدف المحوري سيقوّض بشكل مباشر فرص تحقيق أهداف أخرى مترابطة بشكل وثيق، مثل القضاء على الفقر، وتعزيز الصحة، والمساواة، والعدل، والسلام. منوهاً إلى أن المنطقة العربية تعيش اليوم وسط تحديات وتحولات اقتصادية واجتماعية معقدة وغير مسبوقة، وأن لا خيار أمام الدول سوى المضي قدماً برؤية والتزام جماعي يعيد رسم سوق العمل على أسس أكثر عدالة وشمولاً، مع تكثيف الجهود وتوحيد المسار للعبور نحو مستقبل عمل أفضل.
وشدد على أن العدالة الاجتماعية لا تتحقق إلا من خلال منظومة شاملة تتكامل فيها سياسات التشغيل مع نظم الحماية الاجتماعية والتعليم والتدريب، وترتبط جميعها باحترام الحقوق الأساسية في العمل، مؤكداً أن العدالة الاجتماعية والعمل اللائق ركيزتان أساسيتان لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة في المنطقة العربية.
وأضاف معاليه: “على مدى أكثر من ستة عقود كانت منظمة العمل العربية شريكًا محفزًا لجهود الحكومات في الانتقال نحو نماذج تنموية جديدة، تكرّس العمل اللائق والعمالة الكاملة والمنتجة، كونها من أهداف منظمة العمل العربية، وأساس تحقيق العدالة الاجتماعية، ومواجهة الفقر، وبناء السلم المجتمعي المستدام. كما كانت المنظمة ولا تزال حاضناً للحوار الاجتماعي بين أطراف الإنتاج، وبيت خبرة في قضايا العمل والعمال. حيث وضعت المنظمة منذ نشأتها التشغيل والعمل اللائق في صلب استراتيجياتها ومبادراتها”، وبيّن “المطيري” أن المنظمة أصدرت (21) اتفاقية عمل عربية و(10) توصيات، تشكل مرجعية أساسية لتشريعات العمل في الدول العربية، من أبرزها الاتفاقية العربية رقم (20) والتوصية رقم (10) لعام 2024 بشأن الأنماط الجديدة للعمل، التي استشرفت مبكراً تحديات الاقتصاد الرقمي. كما أطلقت مبادرة “العقد الاجتماعي الجديد”، بالتوافق بين أطراف الإنتاج الثلاثة، كإطار لبناء الثقة وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، والتي اعتمدتها القمة العربية الـ33، إلى جانب الاستراتيجية العربية للتعليم التقني والمهني المحدّثة لعام 2023، وإعلان المبادئ حول “مستقبل الموارد البشرية في ظل الثورة التكنولوجية”، والاستراتيجية العربية المحدثة لتنمية القوى العاملة والتشغيل التي أقرّتها القمة التنموية الخامسة 2025. كما أصدرت سلسلة دورية من تقارير “التشغيل والبطالة في الدول العربية”، ونظّمت المئات من ورش العمل والدورات التدريبية للكوادر العاملة في الدول العربية، وساهمت في إثراء المكتبة العربية بالعديد من الإصدارات المتخصصة في مختلف القطاعات ومجالات العمل.
وأضاف “المطيري” أن أمام الدول العربية خمس سنوات حاسمة تحتم إعادة النظر في مسارها التنموي، حيث تمثل معدلات التشغيل ونسب البطالة مؤشراً لمدى نجاعة السياسات والبرامج الوطنية، وهي جرس إنذار يدعو إلى تصحيح المسار. مؤكداً أن التشغيل المنتج لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن إصلاحات هيكلية شاملة تبدأ بإرساء بيئة سياسية واقتصادية مستقرة، مدعومة بسياسات تكاملية تُعيد رسم العلاقة بين النمو الاقتصادي والتوزيع العادل للفرص.
وأوضح أن الانتقال إلى أسواق عمل عادلة ومستقرة لا يتم إلا عبر نموذج عربي مرن للسياسات، يستند إلى دمج سياسات التشغيل في صلب استراتيجيات التنويع الاقتصادي، ودعم القطاعات الواعدة، والاستثمار في رأس المال البشري وتحديث نظم التعليم والتدريب الفني والمهني، وضمان الحقوق الأساسية في العمل، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل العاملين في القطاع غير المنظم والعاملين في المنصات، وتعزيز دور القطاع الخاص، وتطوير سياسات سوق العمل التي تراعي التحولات الديموغرافية والتكنولوجية، ومأسسة الحوار الاجتماعي الثلاثي كأداة ضامنة للاستقرار والسياسات المتوازنة.
وفي ختام كلمته، أوضح المطيري أن الانتقال العادل نحو التحولات الكبرى يظل هاجساً لدى الطبقة العاملة في الدول العربية، مشيراً إلى أهمية دمج الفئات المتضررة والأكثر هشاشة وتعزيز تمكين العاملين والعاملات بالمهارات الجديدة، مشدداً على ضرورة اغتنام الفرصة التي تتيحها قمة الدوحة لتعزيز الالتزام الجماعي بالعمل اللائق والانتقال العادل، بما يضمن بناء أسواق عمل عربية أكثر مرونة واستدامة، متمنياً أن يُسفر الاجتماع التحضيري عن مسودة إعلان سياسي تُجسّد أولويات الدول العربية في القمة المقبلة، متقدماً بخالص الشكر إلى قطاع الشؤون الاجتماعية في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ووزارة الشؤون الاجتماعية في الجمهورية التونسية، على حسن الإعداد والتنظيم والجهود المبذولة لإنجاح أعمال الاجتماع.