تزامنًا مع مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP28 المنعقد حاليًا في دولة الإمارات العربية المتحدة، عقدت منظمة العمل العربية بالتعاون مع إدارة التنمية المستدامة والتعاون الدولي بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية حلقة نقاشية حول أثر التغيرات المناخية على قضايا التشغيل وعلاقتها بأهداف التنمية المستدامة، قدمت خلالها دراسة حول “واقع وافاق منظومة التشغيل في ظل المتغيرات المناخية“. تأتي هذه الدراسة كخطوة استباقية نحو التعامل مع تحديات التوظيف والعمل في ظل التحولات البيئية التي تشهدها العالم.
تتجلى أهمية الدراسة في فهم أن تغير المناخ ليس فقط قضية بيئية، بل هو أيضا تحدي اقتصادي يحمل تأثيراته على التوظيف والاقتصاد بشكل عام. وإن تأثيره على القطاعات المختلفة حول العالم يفرض ضرورة إعادة صياغة أسس العمل وخلق فرص جديدة ومستدامة.
تؤكد دراسة منظمة العمل العربية إن تغير المناخ يعيد تشكيل خريطة العمل، ويجلب معه انتقالاً حاسماً نحو اقتصاد أخضر. ومن المتوقع أن يؤدي هذا التحول إلى زيادة كبيرة في فرص العمل، خاصة مع تفضيل مشاريع الطاقة المتجددة والنظيفة التي تتسم بكثافة عمالية عالية. ومع ذلك، يطرح هذا التحول تحديات أيضاً، بما في ذلك الحاجة إلى إعادة تأهيل وتحسين مهارات العمال، خاصة القادمين من قطاعات الصناعات التقليدية.
وتواجه الحكومات في جميع أنحاء العالم مهمة تطوير سياسات شاملة، تتعامل ليس فقط مع التحديات البيئية، ولكن أيضًا تعزز فرص العمل في قطاعات جديدة مستدامة. يشمل ذلك الاستثمار في برامج التعليم والتدريب لإعداد القوى العاملة التي يحتاجها الاقتصاد الأخضر الناشئ.
كما تشير الدراسة إلى أن انتقال الاقتصاد إلى الاستدامة يعد مفتاحًا أساسيًا في التصدي لآثار تغير المناخ على قطاعات العمل والتوظيف. ومن خلال الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة، يمكن خلق فرص عمل جديدة وتعزيز استدامة القطاعات المختلفة.
تحديات العالم العربي أمام تغير المناخ
سلطت دراسة منظمة العمل العربية الضوء على التحديات التي تواجه الدول العربية نتيجة لطبيعتها الجغرافية واعتمادها الكبير على صناعات النفط والغاز. إذ يشكل هذا الاعتماد مخاطرًا على سوق العمل في المنطقة، خاصةً في ظل التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة. لذا، توضح أهمية التحول إلى اقتصاد أخضر والدور المحوري الذي يقوم به في توفير فرص عمل جديدة ومستدامة.
ومع ذلك، يعتبر هذا الانتقال تحديًا كبيرًا يتطلب تكامل الجهود على مستوى الحكومات والقطاع الخاص. ويجب على الحكومات تطوير سياسات تشجيعية وتحفيزية لدعم الشركات التي تعتمد على الاستدامة والابتكار في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا البيئية.
الفرص والحلول الابتكارية
استعرضت المنظمة في دراستها مجموعة من الفرص والحلول الابتكارية التي يمكنها أن تساهم في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز فرص العمل في العالم العربي. يتضمن ذلك:
- استثمار الدول العربية في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث يمكن أن يكون لها تأثير كبير على إيجاد وظائف في مراحل التصنيع والتركيب والصيانة.
- تطوير البناء الأخضر والعمارة المستدامة بما يعزز الحاجة إلى عمالة ماهرة في مجال البناء الأخضر.
- تبني ممارسات زراعية ذكية ومستدامة لخلق وظائف وضمان الأمان الغذائي.
- تطوير نظم إدارة النفايات بشكل فعال، بما في ذلك إعادة التدوير والتحويل، والتي يمكن أن تخلق أيضًا العديد من الوظائف.
- أهمية توظيف في تخطيط وتنفيذ تدابير المرونة المناخية والاستعداد للكوارث.
- تطوير وتدريب قوة عاملة ماهرة في مجالات الاستدامة والتكيف مع المناخ من خلال برامج التعليم والتدريب.
تتضمن الدراسة جزءً هامًا من التوصيات المقدمة للعالم العربي عن الوظائف الخضراء والعمل المستدام، إذ تعتبر محركًا لتحقيق التنمية المستدامة في العالم العربي، وتتوافر إمكانيات كبيرة في العديد من المجالات، منها:
- إمكانيات الطاقة الشمسية: تشير الدراسة إلى إمكانيات عالية للطاقة الشمسية في المنطقة العربية، وكيف يمكن للمشاريع الريادية في هذا المجال إنشاء وظائف جديدة.
- تحلية المياه وإدارتها: مع تزايد قضية ندرة المياه، يمكن للابتكارات في تقنيات تحلية المياه وإعادة تدويرها توفير فرص عمل كبيرة.
- الزراعة المستدامة: في الدول ذات الأراضي الزراعية مثل مصر والسودان، يمكن أن تكون الزراعة الذكية والزراعة العضوية والزراعة العمودية مشروعات ريادية مربحة.
- السياحة البيئية: تؤكد المنظمة على أهمية السياحة البيئية، حيث يمكن أن توفر إدارة السياحة المستدامة وتوظيف المجتمعات المحلية فرصًا.
- البناء الأخضر: في الدول العربية التي تشهد نمو عمراني سريع، يمكن أن يوفر البناء الأخضر فرص أعمال ووظائف جديدة.
- إدارة النفايات: تشير المنظمة إلى أن الابتكارات في إدارة النفايات وإعادة التدوير والتحويل يمكن أن تؤدي إلى خلق وظائف كبيرة.
وتخلص الدراسة إلى أن لكل دولة عربية خصائص جغرافية واقتصادية فريدة، ويمكن تكييف هذه التوصيات لتتناسب مع احتياجاتها وإمكاناتها الخاصة. ويؤكد التقرير إن المفتاح هو دمج الاستدامة في صميم استراتيجيات التنمية والاقتصاد، مما يخلق نظامًا مرنًا وقابلًا للتكيف في مواجهة تغير المناخ.