لماذا نبني ثقافة الوقاية ؟
تتسبب الإصابات والأمراض المهنية في معاناة إنسانية لا حد لها، وفقدان في الأرواح، كما تنعكس خسائر اقتصادية كبيرة على المؤسسات والاقتصادات ككل، والتي يمكن قياسها من خلال تكاليف الرعاية الصحية و تعويضات الضمان والتأمينات الاجتماعية، وخسائر الإنتاج، وانخفاض مشاركة القوى العاملة. وتشير التقديرات الدولية إلى أن الحوادث والأمراض المهنية تساهم في خسائر تصل إلى 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي السنوي، وقد أبرزت جائحة كورونا، أهمية وجود نظام قوي للسلامة والصحة المهنية مبني على التشاركية والتعاون بين الحكومات وأصحاب العمل والعمال والجهات الفاعلة في مجال الصحة العامة، وجميع الأطراف ذات الصلة على المستوى الوطني ومستوى المؤسسات. ومع استمرارنا في التعايش مع هذه الأزمة الصحية العالمية ومواجهة مخاطر الصحة والسلامة المهنية المستجدة التي أحدثتها الجائحة في مكان العمل، ينبغي أن نواصل العمل معاً من أجل ترسيخ ثقافة سلامة وصحة وقائية مستدامة على جميع المستويات.
الحوار الاجتماعي الفعال لتطوير سياسات الصحة والسلامة المهنية
كان للحوار الاجتماعي الدور الأبرز في حماية بيئة العمل و الحفاظ على سلامة وصحة العمال، والامتثال للإجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومات ومازالت على أماكن العمل، وتنفيذ قوانين وسياسات وتدخلات طارئة خلال جائحة كورونا، وسيساهم الحوار الاجتماعي الفعال في إرساء الاقتصادات المُستَدامة وإعطاء الأولوية للوقاية من الحوادث والأمراض المهنية، وتوفير الاستثمارات اللازمة لتطوير سياسات واستراتيجيات الصحة والسلامة المهنية مابعد الجائحة، تكون الثقافة الوقائية الإيجابية عنصراً أساسياً فيها، بل ضرورة ملحة لتنفيذ هذه السياسات بشكل سريع وأكثر فعالية.
دور منظمة العمل العربية في تعزيز ثقافة السلامة والصحة الوقائية
أقر الموقعون رفيعو المستوى، ومن بينهم منظمة العمل العربية في القمة العالمية الأولى للسلامة والصحة على إعلان سيؤول 2008، أن “تعزيز مستويات عالية من السلامة والصحة في العمل هي مسؤولية المجتمع بأكمله، وأن بيئة العمل الآمنة والصحية ينبغي الاعتراف بها كحق أساسي من حقوق الإنسان من خلال غرس ثقافة الصحة والسلامة الوقائية، والمحافظة عليها على المستوى الوطني، وعلى كافة أبناء المجتمع المساهمة في تحقيق هذا الهدف عن طريق إعطاء الأولوية للسلامة والصحة المهنيتين في الأجندات الوطنية“،
وبناء عليه التزمت منظمة العمل العربية بأخذ المبادرة في تعزيز ثقافة السلامة والصحة الوقائية على المستويين الوطني والعربي. فعقدت في سيؤول / كوريا الجنوبية اجتماعاً إقليمياً على هامش المؤتمر العالمي الثامن عشر للصحة والسلامة المهنية بعنوان “واقع الصحة والسلامة المهنية في الدول العربية”، وجاء بعدها المؤتمر العربي الثالث للصحة والسلامة المهنية 2008 الذي عقد في مملكة البحرين بالتعاون مع وزارة العمل واللجنة العليا للصحة والسلامة المهنية تحت شعار “نحو الارتقاء بالصحة والسلامة المهنية” كأولى الخطوات العملية في إطار الالتزام بما جاء في إعلان سيؤول، فأكدت توصيات المؤتمر العربي الثالث على أهمية تطوير تشريعات العمل الخاصة بالصحة والسلامة المهنية وضرورة تعزيز الحوار الاجتماعي لدعم ثقافة السلامة والصحة الوقائية، وحث وزارات التربية والتعليم على المشاركة الفعالة في نشر ثقافة السلامة والصحة من خلال تطوير مناهج التعليم في كافة المراحل، وإدراج قيم ثقافة السلامة والصحة المهنية بهدف رفع الوعي الوقائي لدى الطلاب وأسرهم والمجتمع بأكمله.
وحرصاً من المنظمة على متابعة هذه التوصيات بالمشاركة مع أطراف الإنتاج الثلاث في الدول العربية عقدت اجتماعاً إقليمياً على هامش المؤتمر العالمي التاسع عشر للصحة والسلامة المهنية في اسطنبول/تركيا 2011 بعنوان” التحديات التي تواجه الدول العربية في بناء ثقافة الوقاية” لتقييم ما تم إنجازه على المستوى العربي في هذا المجال، ومناقشة التحديات واقتراح الحلول والآليات المناسبة لتجاوزها من خلال استعراض تقرير تحليلي تم إعداده بناءً على ردود الدول العربية الأعضاء لتقييم الوضع الراهن واستشراف المستقبل.
وتدعو منظمة العمل العربية في هذا اليوم جميع الدول العربية إلى مواصلة العمل معها لتعزيز ثقافة الصحة والسلامة، ومنح الأولوية القصوى لمبدأ الوقاية لتوفير بيئة عملٍ آمنة وصحية، لحماية العمال والمنشآت على حد سواء من خلال تحقيق الاستفادة القصوى من الحوار الاجتماعي القائم بين أطراف الإنتاج الثلاث (حكومات وأصحاب عمل وعمال) وبمشاركة فاعلة من الجهات ذات الصلة؛ لتحديد الحقوق والمسؤوليات والواجبات، وإعداد وتنفيذ استراتيجياتٍ وطنية فعالة للصحة والسلامة المهنية، وتوسيع نطاقها لتشمل كافة القطاعات، وعلى وجه الخصوص القطاع غير المنظم، والقطاع الزراعي، وإيجاد آليات للتعاون والتنسيق بين الدول العربية تحت مظلة منظمة العمل العربية بهدف تسريع التقدم نحو ترسيخ ثقافة سلامة وصحة وقائية على المستوى العربي.